الجعفري يروي مذكراته في “رسالة الجمعة”: الخارجية أورثتني “آلام الفقرات”!
“ناس” إطلع على “رسالة الجعفري اليوم (28 حزيران 2019) وينقلها فيما يلي دون تصرف:
﷽
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
“رسالة الجمعة”
جمعة مباركة تقرع أجراسها في عالمٍ يطبق عليه سكون الغفلة ويمزّقه شبح الفرقة المفتعلة ويستبد به إعصار الهمّ المسؤول الذي يأبى الاستسلام رغم كلّ ذلك متطلعاً لصناعة غدٍ مشرق يرتقي الى مستوى طموح أمة تكتنز كل أسرار العظمة رغم ما مُنيت به من الضعف!!..
{/خَاطِرَةُ سَفْرَةٍ!\
إِنَّهَا أَقْصَرُ سَفْرَةٍ فِيْ أَطْوَلِ إِقَامَةِ!
لَمْ تُصَادِفْنِيْ إِقَامَةٌ فِيْ طُوْلِ مُدَّتِهَا بَعْدَ أَنْ لازَمَنِي الْمَرَضُ مُنْذُ شَهْرِ تِشْرِيْنَ الثَّانِي عَامَ 2018م حَتَّى الآنَ وَأَنَا عِنْدَ عَائِلَتِيْ فِي الْبَيْتِ؛ بِسَبَبِ مَا تَعَرَّضْتُ لَهُ مِنْ آلامٍ شَدِيْدَةٍ فِيْ فَقَرَاتِ الظَّهْرِ مُسْتَمِرَّةً حَتَّى الآن مُنْذُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ..
لَسْتُ مُفَاخِراً، وَلا مُبَالِغاً حِيْنَ أَذْكُرُ أَنَّ أَعْوَامَ التَّصَدِّي الدِّبْلُوْمَاسِيِّ الأَرْبَعَةَ جَعَلَتْنِيْ أُسَافِرُ إِلَى مُعْظَمِ دُوَلِ الْعَالَمِ بَحْثاً عَمَّا يَخْدُمُ بَلَدِي الْعِرَاقِ، وَدَفْعِ كُلِّ مَا يُهَدِّدُهُ مِنْ خَطَرٍ مُتَوَزِّعاً بَيْنَ تَمْثِيْلِ الْعِرَاقِ فِيْ الأَرْوِقَةِ الدَّوْلِيَّةِ عَلَى الصُّعُدِ الإِقْلِيْمِيَّةِ، وَالْعَالَمِيَّةِ، وَالأُمَمِيَّةِ بَاحِثاً عَنْ فُرَصِ دِفَاعٍ هُنَا، وَمَجَالِ اسْتِثْمَارٍ هُنَاكَ.. كَانَتِ التِّرْكَةُ ثَقِيْلَةً حَيْثُ الْمُقَاطَعَةُ، وَالْعُزُوْفُ بِوَجْهِ أَيِّ مُبَادَرَةٍ عِرَاقِيَّةٍ. فَلا دَعْوَةَ مَسْؤُوْلَةً تُوَجَّهُ إِلَيْهِ إِلاَّ فِي الأَقَلِّ مِنَ الْقَلِيْلِ، وَلا اسْتِجَابَةَ جَادَّةً لِمُبَادَرَاتِهِ بِدَعْوَةِ الآخَرِيْنَ..
مَهَمَّةُ التَّمْثِيْلِ الدِّبْلُوْمَاسِيِّ لَمْ وَلَنْ تَتَجَزَّأَ فِيْ مِلَفَّاتِهَا الدِّفَاعِيَّةِ عَنِ الْحَقِّ سَوَاءٌ عَنِ الْعِرَاقِ، أَمْ غَيْرِهِ مِنَ الامْتِدَادَاتِ فِي الْمِنْطَقَةِ، وَالْعَالَمِ؛ مِمَّا يَجْعَلُ “الْمَوْقِفَ الدِّبْلُوْمَاسِيَّ الْمُلْتَزِمَ” فِيْ غَايَةِ الصُّعُوْبَةِ!
الْحُضُوْرُ الَّلافِتُ الَّذِيْ مَا انْفَكَّ عَنِ التَّوَاصُلِ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ الْمُبَاشَرَةِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّوْدِيْعِ، وَمَا أُنْجِزَ كَانَ بِتَوْفِيْقِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَتَضَافُرِ جُهُوْدِ الْعَامِلِيْنَ الْخَيِّرِيْنَ فِي السِّلْكِ الدِّبْلُوْمَاسِيِّ سَوَاءٌ فِيْ مَرْكَزِ الْوِزَارَةِ بِالْعَاصِمَةِ بَغْدَادَ، أَمْ فِيْ البِعْثَاتِ الْعِرَاقِيَّةِ الْمُوَزَّعَةِ فِي الْخَارِجِ.. كَانَ لابُدَّ مِنِ اسْتِحْقَاقَاتٍ لِلتَّصَدِّي بِهَذَا الْحَجْمِ، وَقَطْعِ تِلْكَ الْمَسَافَاتِ الشَّاسِعَةِ الطُّوْلِ عِبْرَ الْعَوَاصِمِ، وَاعْتِمَادِ طَائِرَاتِ النَّقْلِ التِّجَارِيَّةِ مِنَ الْعِرَاقِ وَإِلَيْهِ، وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ مَحَطَّاتِ تَوَقُّفٍ فِيْ بُلْدَانٍ ثَالِثَةٍ رُغْمَ مَا رَافَقَهَا مِنْ نِتَاجَاتٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ صَعِيْدٍ سَوَاءٌ أَكَانَ سِيَاسِيّاً، أَمْ دِبْلُوْمَاسِيّاً، أَمْ ثَقَافِيّاً، وَفِيْ أَحْيَانٍ قَلِيْلَةٍ نَشَاطَاتٌ طِبِّيَّةٌ لِبَعْضِ حَالاتِ الطَّوَارِئِ، وَإِسْعَافِ الْمَرْضَى عَلَى مُتُوْنِ الطَّائِرَاتِ مَعَ عَدَمِ وُجُوْدِ طَبِيْبٍ آخَرَ غَيْرِيْ..
وَأَمَّا مَا حَفَّتْ تِلْكَ السَّفَرَاتِ مِنْ مَخَاطِرَ فِيْ زَمَنِ الْهَتْكِ، وَالْقَرْصَنَةِ فَسَتَبْقَى طَيَّ الْجَهْلِ وَالْكِتْمَانِ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْهَا الزَّمَنُ الْمُنَاسِبُ.. إِنَّ مَاكِنَةَ الإِنْتَاجِ لَمْ تَتَوَقَّفْ مِنْ وَقْتِ شُرُوْعِ السَّفْرَةِ فِي الْعَاصِمَةِ بَغْدَادَ إِلَى وَقْتِ انْتِهَائِهَا لِمَا تَسْتَهْدِفُهُ مِنْ مُدُنِ الْعَالَمِ..
كَانَتْ خَلِيَّةُ النَّحْلِ الَّتِيْ تُرَافِقُنِيْ طِيْلَةَ مُدَّةِ السَّفْرَةِ وَعَلَى مَدَى الأَعْوَامِ تِلْكَ قَدْ حَفَرَتْ فِيْ ذَاكِرَتِيْ مِنْ خُوَاطِرَ حُلْوَةٍ لَنْ تُنْسَى، وَأَكْسَبَنِيْ بَعْضُهَا عَلاقَاتٍ مُهِمَّةً امْتَزَجَتْ فِيْهَا مُفْرَدَاتُ الثَّقَافَةِ بِالْعَمَلِ، وَالْفِكْرُ بِالْعَاطِفَةِ، وَالتَّارِيْخُ الزَّاخِرُ بِالْعَطَاءِ الثَّرِّ فِي الْحَاضِرِ الْغَاصِّ بِالْمَرَارَاتِ، وَوَفَّرَتْ لِيْ أَوْسَعَ إِطْلالَةٍ لِلْعَلاقَةِ مَعَ الآخَرِ مِنْ أَبْنَاءِ بَلَدِيْ الْحَبِيْبِ، أَوْ أَبْنَاءِ بُلْدَانٍ أُخْرَى.. مَا أَخَذْتُهُ مُتَعَلِّماً مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيْرُ مِمَّا تَزْخَرُ بِهِ التَّجَارِبُ، وَمَا تَجُوْدُ بِهِ التَّأَمُّلاتُ الذَّاتِيَّةُ؛ فَأَتَاحَ فُرَصاً خِصْبَةً لِلْمُرَاجَعَةِ، وَبِمَا جَادَتْ بِهِ كَفُّ الْقَرِيْحَةِ مِنَ الْكِتَابَةِ..
أَمَّا عَنْ غَيْرِ أَبْنَاءِ بَلَدِيْ الْحَبِيْبِ فَهُمْ صُوْرَةٌ مِنْ أَنْصَعِ صُوَرِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَهِيَ تَنْبُضُ بِالْعَطَاءِ، وَتَطْوِي لَهُ مَسَافَاتِ الْجُغْرَافِيَةِ، وَخِلافَاتِ السِّيَاسَةِ، وَعَوَائِقَ اللُّغَةِ، وَتَضَارُبَ الْمَصَالِحِ..
لا أَمْلِكُ إِلاَّ أَنْ أُصَافِحَ بِالْحُبِّ كُلَّ أَيَادِي إِخْوَانِيْ وَأَبْنَائِيْ، وَأُصَافِحَ بِالْوِدِّ وَالاحْتِرَامِ قُلُوْبَ أَخَوَاتِيْ وَبَنَاتِيْ عِرْفَاناً لِجَمِيْلِ مَا تَحَلَّوْا بِهِ مِنْ صَادِقِ مَشَاعِرَ، وَمَا تَرْجَمُوْهُ بِأَبْلَغِ لُغَةٍ فِي التَّعْبِيْرِ..
لابُدَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ جِيْلُ الْمُعَاصَرَة مِمَّنْ سَبَقَهُ بِالتَّجَارِبِ حَتَّى يَكْتَسِبَ مَلَكَةَ الارْتِقَاءِ الذَّاتِيِّ. فَمَنْ يُعَلِّمُنَا كَيْفَ نَتَسَلَّقُ الْجَبَلَ خَيْرٌ مِمَّنْ يَضَعُنَا عَلَى قِمَّتِهِ.. وَحِيْنَ نَتَذَكَّرُ مَوَاجِعَ مَا حَلَّ بِبَلَدِنَا بِالتَّارِيْخِ لا لِنَنْدُبَ حَظَّنَا بِمَا حَدَثَ، بَلْ لِمَنْعِ تَكْرَارِ الْمَآسِي مُجَدَّداً، وَتَحْقِيْقِ مَا فَاتَتْنَا مِنْ أَهْدَافٍ.. فَالأُمَّةُ الْقَوِيَّةُ قَوِيَّةٌ بِمُحَصِّلَةِ حَرَكَتِهَا نَحْوَ الْغَدِ رُغْمَ مَا وَاجَهَتْ مِنْ مِحَنٍ فِي الأَمْسِ.