السيد السيستاني وإخراج الشعب من ظلمات الدكتاتورية إلى نور الفهم والوعي وتقرير المصير
ماذا يوجد في طيات صفحاتك أيها التاريخ عن شعب لم يقرر مصيره يوما بيده؟
أربعة قرون عثمانية بامتياز رزح فيها العراقيون تحت وطأة الخانم والباشا وعالي المقام باسم الخلافة وما تزال تذكر رقما ومصطلحا بهذا الشكل (العراق العثمانية 1534م إلى 1920 م) وما أيسرها حين تلفظ أو تكتب كإجابة لمادة التاريخ حين يطلب من التلميذ العراقي أن يملأ الفراغات.
لا يوجد ما يشير خلال هذه القرون الأربعة الى أن للشعب دور فيها.
انقضت المحنة العثمانية بحرب عالمية ضروس ليجد شعب العراق نفسه في أحضان المنتصر بالحرب وهذا المرة الكعكة العراقية بولاياتها الثلاث (بغداد، الموصل، البصرة) تحت الانتداب البريطاني والحاكم هو بيرسي كوكس الذي مرر حكومته الانتقالية المشكلة تحت إمرته قرارا بتعيين الملك الهاشمي سنة ١٩٢١ وبإشراف بريطاني حتى سنة ١٩٣٢ حيث أعلن الاستقلال عن الانتداب البريطاني مع بقاء الملكية التي أنشأتها إرادة بيرسي كوكس.
وهنا أيضا لا يوجد ما يشير الى ان للشعب إرادة في ذلك.
ثم جاء زمن الانقلابات.. فالمزاج العسكري يدفع قاسم الى الإطاحة بالملكية ويعلن قيام الجمهورية في ١٤ تموز ١٩٥٨ وكانت (ثورة) والثورة كما هو معلوم حركة تستبطن بداخلها غوغاء وهي ليست من المفاهيم الإصلاحية بقدر ماهي انفعالات وأمزجة وتعبير عن ضجر او طمع في تسلط، لذلك نتجنب اعتمادها كمصطلح يراد به الإصلاح بل أنه لم يرد كتعريف لحركة إصلاحية في منظومتنا الفكرية الشيعية، حتى أن الامام السجاد عليه السلام قال في وصفه لحركة أبيه الحسين عليه السلام: خرج أبي الحسين..) لم يقل ثار ولم تكن الحركة كذلك فهي عقلائية إصلاحية هادية مهدية لا تستبطن الغوغاء فيها.
فهل كان للشعب العراقي في الانقلاب القاسمي او ثورته قول أو فعل؟
ثم توالت الثورات بعدها ليطاح الزعيم ويعدم في انقلاب ٨ شباط ١٩٥٣ بعد أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله، ولتظهر على الساحة السياسية وجوه كالحة كالبكر وعارف وغيرهم من مارقة وأشقياء الكرخ والرصافة وشارع الرشيد ولتطوى صفحة قاسم وتبدأ صفحة الأشقياء ورواد المقاهي في حكم هذا البلد .
فهل كان للشعب يد في ما يجري او علم أو رأي.. أم أنه كان راضيا بهذه الأقدار مستسلما مصفقا للحاكم لأنه حاكم؟
الرئيس المنقلب عبد السلام يحترق بين السماء والأرض في ١٣ نيسان ١٩٦٦ حيث سقطت طائرته المروحية بين القرنة والبصرة وهذا المرة لا توجد إطاحة وربما وجدت ودبر امرها بليل، لكن المهم في الامر ان البديل كان حاضرا والشعب كان كعادته غائبا مغيبا (ما دام الله ساتر عليه ) فلا علاقة له بمن سيكون حاكما، فكان البديل شقيقه عبد الرحمن عارف ولماذا عبد الرحمن لست أدري ولا أريد أن أدري فكل ما يهمني هو هذه التواريخ التي أتوسم فيمن يتابعها ألّا يغفل عن حقائقها.
في عام ١٩٦٨ في ١٧ تموز اقتتل أشقياء المقاهي بينهم فأطاح البكر عبد الرحمن ليتكرر السؤال: هل كان للشعب العراقي دور في تتويج البكر حاكما وهل أن أحدا كان قد طلب من البكر وحزبه اللعين أن يعلن نفسه رئيسا ؟ وما ذنب الشعب أن يدفع ضريبة الرضا بهؤلاء لأنهم من ذوي التاريخ النضالي الذي جر علينا الويلات؟ النتيجة أن حكما بكريا استمر لغاية عام ١٩٧٩.
فهل كان لهذا الشعب رأي أو قرار في ذلك؟ حتى جاء الزمن الذي شهدناه بأم أعيننا ليجهز ابن العوجة على من تبقى من تلك السلالات الفرعونية الطاغوتية ويحكم بمنهاج البعث وبالحديد والنار حتى عام ٢٠٠٣ ويسلم الجمل بما حمل لمندوب سامي جديد اسمه جي كارنر ويعيد العراق الى وصاية الغرب من جديد فكانت وصاية الحاكم المدني جي كارنر ثم خليفته بول بريمر.
وكالعادة قررت أمريكا أن يستمر منهج التغييب للشعب العراقي الذي استمر طيلة خمسمائة عام وقررت أن تعين لجنة لكتابة الدستور ومن ثم تحدد نوع نظام الحكم وتنتظر أن يصفق هذا الشعب للقائد الجديد.
هنا حدث ما لم يكن بحسابات أحد من هؤلاء وهو أن رجلا سيوقف هذه المهزلة التاريخية ويمنح الشعب العراقي ولأول مرة في تاريخه حق اختيار من يمثله في كتابة دستوره ويحدد فيه نوع الحكم الذي يريده ومن ثم يصوت عليه ويضع أولى خطواته على طريق سلكته الأمم المتحضرة وسبقته في ذلك بعقود من الزمن .
إنه المرجع الأعلى الامام السيستاني يلتفت هذه الالتفاتة بكل ما أوتي من حلم وعلم وقوة لينقذ هذا الشعب من براثن الحكم الاستبدادي ويخرجه من ظلمات الدكتاتورية الى نور الفهم والوعي وتقرير المصير وليجبر الإدارة الامريكية على الرضوخ لهذا المطلب المهم.
فلا تبخسوا هذا المصلح حقه في هذا المنجز التاريخي الذي منح هذا الشعب حقا افتقده منذ خمسة قرون مضت دون أن يحرك ساكنا، ولا يكن همكم من أساء تطبيق هذه الممارسة وهذا الحق، فالجميع حديث عهد بالديمقراطية والجميع بحاجة الى نضج اكبر لاستيعابها وقبولها ولا لوم على أجيال قضت عقودا من عمرها وقد اعتادت الانصات لبيان رقم (1) والتسليم بالقضاء والقدر، وما زالت تنتظر انقلابا جديدا وتدعو اليه.
لكن المرجعية العليا ما تزال عند رأيها وقد بينت ذلك في خطبة الجمعة بتاريخ 17 شعبان 1439 هـ الموافق 04/05/2018 م:
“واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً على ذلك التاريخ لا تزال المرجعيّة الدينيّة عند رأيها من أنّ سلوك هذا المسار يُشكّل -من حيث المبدأ- الخيار الصحيح والمناسب لحاضر البلد ومستقبله، وأنّه لابُدّ من تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت أي ذريعة أو عنوان”.
وحسبك أيها الشعب خمسة قرون من الأنظمة الطاغية المستبدة.
حسين فرحان
