كلمةٌ توجيهية لسماحة آية الله السيد محمد رضا السيستاني نجل سيدنا المرجع الديني الأعلى ( دام ظلّه الوارف )
" إن المسؤولية المُلقاة على عاتقنا - نحن أبناء الحوزة العلمية - مسؤولية كبيرة ، و لا سيما في هذا الزمان حيث نجد قسماً متزايداً من شبابنا الأعزاء يتّجهون نحو الأفكار المناهضة للدين الحنيف و العقيدة الصحيحة ، و السبب الرئيس في ذلك هو سوء أداء من إدّعوا التّديّن ، و تسنّموا المناصب و المواقع ، و فشلوا في أداء مهامّهم ، بل أفسدوا فساداً كبيراً .
و في هذا الظّرف تكون مسؤوليتنا أكبر و أعظم في حماية الدين و حفظ المعتقدات الحقّة ، لأن لسلوك رجال الحوزة العلمية دوراً مهماً في حفظ العقائد الحقّة في نفوس الناس ، فلا بُدَّ أن نتجنّب في تصرفاتنا و سلوكنا كل ما يمكن أن يساهم في إبتعاد الناس عن الدين و المذهب ، فإنهم يتوقّعون أن يجدوا في أعمالنا و سلوكنا بعضَ الشّبه بما ننقله إليهم عن الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) من الزهد و الورع و مواساة الفقراء و إعانة المظلومين و نحو ذلك ، و يريدون منا أن تُصدِّق أعمالُنا أقوالَنا ، فإن لم يجدوا ذلك ضَعُف موقع الدين في نفوسهم .
و هذا يعني أن ثبات كثير من الناس على عقائدهم إنما هو بسبب ما يشاهدونه من سيرة العلماء الربانيين الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ؛ إذ لا يستند كثير من الناس في تمسكهم بالعقائد الحقة إلى الأدلة و البراهين المبثوثة في الكتب الكلامية و نحوها ، حتى لا يهمّهم إنحراف مَن يدّعون حمل راية الدين إذا لم يحسنوا أداءه . و نحن إلى زماننا هذا إنّما نتزوّد من مائدة الشّيخ الأعظم الأنصاري “ رضوان الله تعالى عليه ” لا من حيث نتاجه العلميّ فقط ، بل من ثمار سلوكه العملي أيضاً من حيث الزهد و الورع و رعاية الفقراء و مواساتهم في معيشته . و ممّا يُحكى في هذا الصدد أن بنت ناصر الدين شاه قاجار جاءت لزيارة الحرم العلوي المطهّر ، و زارت -بعد إلحاح منها - الشّيخَ الأعظم في بيته ، و عندما شاهدت عيشته المتواضعة التي لا تناسب إلاّ فقراء الناس ، صاحت من غير إختيار : ( إذا كان هذا هو العالم الديني فكيف صار فلان عالماً ؟!! ) – و سمّت أحد أعاظم علماء طهران الذي كان ذا ثراء و يعيش عيشة الأغنياء – و لكن الشيخ الأعظم نهرها بقوّة ، و قال : ( أنا أعيش مع الفقراء و الضعفاء ، فيجب أن يكون عيشي بهذه الصورة ، و العالم الفلاني يعيش مع أبيك ، فله عذره في ذلك ) .
و المقصود أن الناس يتوقّعون منّا – نحن أبناء الحوزة العلمية – أن يكون سلوكنا مطابقاً لما ندعوهم إليه ، فإن وجدوه مغايراً له أضرّ ضرراً بالغاً بموقع الدين في نفوسهم ، و هذه معادلة لا تقبل الغلط .
و أنا أعلم أن معظم الطّلبة يعيشون عيشة ذوي الدخل المحدود ، بل إنّ كثيراً منهم يعيشون عيشة الفقراء ، و لكن إذا لوحظ أن بعضهم يبنون بيوتاً فخمة أو يركبون سيّارات فارهة أو يشترون أمتعة و بضائع راقية بمشهدٍ و مرأى من الطبقات المحرومة من المجتمع ، يكون لذلك تأثير بالغ السّوء على موقع الدين في نفوس الناس و ليس على موقع رجل الدين فقط ، كي يهون الأمر بعض الشيء . " ...